يقول رحمه الله: "ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب.
فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن (الأحرف السبعة) التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست (هي قراءات القراء السبعة المشهورة)". أي: لا نزاع بين العلماء المعتبرين الذين يفقهون ويدركون حقيقة هذا العلم، وليس هناك أدنى تشابه لفظي بين أن يقال: سبعة أحرف وبين القراءات السبع، فالأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ليست هي القراءات السبع المشهورة، وهذا عند كل العلماء المعتبرين. لماذا؟
أجاب رحمه الله بقوله: "بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة بـبغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين" أي: مكة والمدينة، "والعراقين" البصرة والكوفةالشام ؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره والحديث والفقه، من الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية".
ذكر هذه البلدان والأمصار لأن كثيراً من الصحابة انتقلوا إليها وأقاموا فيها، ولاسيما في المدينة فهي مرجع العلم، ولهذا فإن لـشيخ الإسلام رحمه الله رسالة خاصة في تفضيل علم أهل المدينة على علم أهل العراق .
ثم يقول: "فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقاً لعدد الحروف التي أنزل عليها القران".
أي: هو أراد أن يختار سبع قراءات لتكون موافقة لعدد الأحرف قال: "لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعنيين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم" فهذا الاختيار اجتهاد منه.
ومما ينبغي أن يعلم أنه قد عوتب وعنف عليه، ونقد في عهده وبعد عهده رحمه الله؛ لأن هذا الاختيار أدى إلى الوهم واللبس، فالتبس على الناس هل هذه القراءات السبع هي الأحرف السبعة أم لا؟ فقال العلماء: لو أنه اختارها ستاً أو عشراً لكان أفضل.
يقول رحمه الله: "ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي، إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين".
وهذا دليل على أن هذا الاختيار اجتهاد، والإمام أحمد رحمه الله كان ممن يكره قراءة حمزة، وله فيها كلام ذكره موجزاً هنا فقال: "ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقاً أو متقارباً".
يريد أن يبين رحمه الله أن القرآن -والحمد لله- لم يختلف فيه، وإنما الاختلاف في القراءات أقتصر على الاختلاف في أوجه التلاوة أو القراءة، وهي رحمة من الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني التناقض، أو التضارب أو التضاد في كتاب الله سبحانه وتعالى الذي عصمه الله وحفظه من ذلك فقال: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))[النساء:82] فيقول: "ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقاً أو متقارباً".
أي: إما أن يكون المعنى متفقاً تماماً وإما أن يكون متقارباً.